Friday, March 29, 2019

روح تحيا،بجسد ميت.

كانت عائدة من اخر أمل متبقي لها في الصمود أمام فصل الشتاء القارس هذا العام، و رغم برودة أطراف جسدها إلا إنها كانت تشعر بدفئ بداخلها ولكن لم يلبث هذا الدفء ساعات حتي تحول لنيران قضت علي الأخضر و اليابس.
"مبروك أنتي حامل". اكاد اجزم أنك عزيزي القارئ قرأتها بصوت الطبيب المصري الذي يقبع في عيادته بمدينة الإنتاج الإعلامي موجها كلمته تلك للزوجان السعيدان بإبتسامته البلهاء ثم يتبعها صوت المخرج Cut.

رغم سماجة هذا السيناريو إلا أنها كانت تتمناه،لأنها بالتأكيد لم تكن تحلم بالمشهد الذي تكمث فيه علي ركبتيها بأرض الحمام تتقيأ لكي تدرك أنها بالفعل حامل! ولكن يبدو أن هذا المشهد هو الأكثر واقعية والأكثر انتشارا..
خطر كل شيئ علي بالها في تلك اللحظة،أسئلة بلا أجوبة،من أنا؟ أين أنا؟ و ماذا يحدث! لماذا كبرتُ الفتاة هنا؟ في بلد غريب لا تجيد لغته حتي الآن ولا تألف شوارعه،هي بالكاد تتعافى من جروح الثورة و من آلالم الفقد، قاطعت ركلة غير متوقعة حبل تلك الأفكار،ركلة من عالم آخر،ركلة مليئة بالحياة و الرغبة في النزول مبكرا للقاع الذي امتلأ. الآن عليها أن تختار اسما لتلك الروح لأن جميع المؤشرات تنذر بولادة مبكرة،لقد قررت من البداية أن يكون أسم بلا دلاله علي اي شيئ. لا هو بالسياسي ولا الديني ولا العنصري ولا الذي يحمل في طياته اي صفة. ثم تذكرت لماذا هي هنا بالأساس! محجوزة بتلك الغرفة مجددا،في هذا المشفى، في هذا البلد! كيف ترغب في أن تحمي روح قبل أن تولد من السياسة و هي ستفتح عيناها هنا بسبب السياسة،كيف تبعدها عن جزء من هويتها الدينية و هي في حفظ خالقها،كيف ستجد اسم لها ليس بعنصري و هي تعاني في بطن أمها منذ اللحظة الأولي بشتى الوان العنصرية، وهل من المنطقي أن لا يحمل اسمها اي صفة وهي القوية الصامدة المكافحة منذ النطفة الأولى؟ لا وقت لتفكير كثيرا الآن، اخبرتها الطبيبة أنه وضعها ليس بالمستقر و ربما تلد في اي وقت رغم عدم اكتمال جسد الروح بعد،ولكن سرير المستشفى لا يلهمها،بالكاد كتبت تلك الكلمات بيد واحدة كي توثق حالة فريدة من نوعها،روح تحيا في جسد ميت.



No comments:

Post a Comment

لماذا نعشق كرة القدم؟

  صادفتنيي تغريدة أحدهم مستنكرًا سبب “ هوس ” الناس بمبارايات كرة القدم لدرجة إلغاء مواعيدهم و أشغالهم في نفس توقيت ديربي م...